وقد بلغ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة هذا الخلق العظيم ، وذروة هذا الأدب الرفيع .
وإليك أمثلة ونماذج :
1) عن أنس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجبذه بردائه جيده شديده ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته . ثم قال : يا محمد ، مد لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثم أمر له بغطاء !!
أرأيت إلى هذا الحلم العظيم ! وهذا الأدب الجم ! (1) .
إن الإعرابي يتطاول على الرسول بيده ، فيجذبه هذه الجذبة العفيفة التي جعلت رقبة النبي تحمر ، ويتطاول عليه بلسانه ، فيقول له : أحمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك ، فإنك لا تحمل لي من مالك ، ولا من مال أبيك ، كما جاء في بعض الروايات !! (1)
لكن حلم الرسول يتسع لمثل هذه الموقف التي يطيش فيها لب أهل الأرض ويقول للأعرابي مقرراً الحق : المال مال الله ، ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي . ويرفض الرجل أن يقتص منه الرسول ، وأن يجذبه كما جذبه .
ويبتسم الرسول للأعرابي ، لأنه ما أراد حقيقة القود والقصاص ، إنما أراد أن ينبهه إلى خطأ ما فعل . ولا يكتفي النبي بحلمه إنما يمنحه ما طلب !!
فيأمر أحد الصحابة : أحمل له على بعيريه هذين : على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً !! وعن أبي هريرة قال : كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له ، فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : إن لصاحب الحق مقراً ، فقال فاشتروا له فأعطوه .
فقال من خيركم أو خيركم ـ أحسنكم قضاء وهذا الرجل وإن كان له حق يطلبه إلا أنه تشدد في المطالبة ، وأغلظ في الكلام ، فيواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بحلمه الذي يدفعه درساً في الحلم ، ويضع هذه القاعدة العظيمة : ( إن لصاحب الحق مقالاً ) فليعذر الحلماء أصحاب الحقوق .(1)
وقد أراد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أصحابه هذا الدرس في الأناة وضبط النفس ، فروى أن إعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال له : ((أحسنت إليك ))
قال الإعرابي : لا ولا أجملت !فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا .. ثم قام ودخل منزله ، فأرسل إليه ، وزاده شيئاً ثم قال له : (( أحسنت إليك؟)) .
قال : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنك قلت ما قلت آنفاً ، وفي نفس أصحابي من ذلك شيء ، فإن أحببت فقل أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب ما في صدورهم عليك )).
قال نعم .
فلما كان الغد جاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (2) : (( إن هذا الأعرابي قال ما قال ، فزدناه . فزعم أنه رضى ، أكذلك ؟ )) .
قال : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه ، فأتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفوراً ، فناداهم صاحبها ، فقال لهم : خلوة بيني وبين ناقتي ، فإني أرفق بها منكم وأعلم .. فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض ، فزدها حتى جاءت واسنتاخت . وشد عليها رحلها ، واستوى عليها . وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال ، فقتلتموه ، دخل النار)) .
إن الرسول الحليم لم تأخذه الدهشة لكنود الأعرابي أول الأمر ، وعرف فيه طبيعة صنف من الناس مرد على الجفوة في التعبير والإسراع بالشر ، وأمثال هؤلاء لو عوجلوا بالعقوبة لقضت عليهم ، ولما كانت ظلماً .
لكن المصلحين العظماء لا ينتهون بمصاير العامة إلى هذا الختام الأليم ، إنهم يفيضون من اناتهم على ذوي النزق ، حتى يلجئوهم إلى الخير إلجاء ، ويطلقوا ألسنتهم تلهج بالثناء . (1)
وثمن ذلك لا يضن به الواجد الأريب ، ولو كان عطاء سخياً ، فما بذل المال إلى جانب ملك الأنفس ؟!
إن الإعرابي الذي اشترى رضاه بما علمت لا يبعد أن تراه أيام وقد كلف بعمل خطير ، يقدم فيه عنقه عن طيب خاطر !! وما المال في أيدي المصلحين الكبراء إلا حاجة العفاة من الوافدين الطامعين ، أو هو قمام الارض تستناخ به الرواحل الجامحة ، لتقطع عليها المفازات الشاسعة.
• وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغضب احياناً غير أنه ما يجاوز حدود التكرم والإغضام .
• ولما قال له الإعرابي جلف ، وهو يقسم الغنائم : أعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، لم يزد في جوابه أن بين له ما جهله ، ووعظ نفسه وذكرها بما قال له فقال : (( ويحك فمن يعدل إن لم أعدل ؟! خبت وخسرت إن زلم أعدل )).(1)
ونهى أصحابه أن يقتلوه حين هم بعضهم بذلك .
وحدث أن رجلاً نازعته الريح رداءه فلعنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تلعنها فإنها مأمورة مسخرة ، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه )) .
وسيئات الغضب كثيرة ، ونتائجه الوخيمة أكثر ، ولذلك كان ضبط النفس عند سوراته دليل قدرة محمودة ، وتماسك كريم .
وقد كان العرب الأولون يفخرون بأنهم يلقون الجهل بجهل اشد .
إلا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلين
فجاء الإسلام يكفكف من هذا النزوان ، ويقيم أركان المجتمع على الفضل ، فإن تعذر فالعدل . ولن تتحقق هذه الغاية إلا إذا هيمن العقل الراشد على غريزة الغضب.
وكثير من النصائح التي أسداها الرسول صلى الله عليه وسلم للعرب كانت تتجه إلى هذا الهدف . حتى التي ربط بها الجماعة فلا تميد ولا تضطرب :
(( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ))(1) .
وإليك أمثلة ونماذج :
1) عن أنس بن مالك قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجبذه بردائه جيده شديده ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته . ثم قال : يا محمد ، مد لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثم أمر له بغطاء !!
أرأيت إلى هذا الحلم العظيم ! وهذا الأدب الجم ! (1) .
إن الإعرابي يتطاول على الرسول بيده ، فيجذبه هذه الجذبة العفيفة التي جعلت رقبة النبي تحمر ، ويتطاول عليه بلسانه ، فيقول له : أحمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك ، فإنك لا تحمل لي من مالك ، ولا من مال أبيك ، كما جاء في بعض الروايات !! (1)
لكن حلم الرسول يتسع لمثل هذه الموقف التي يطيش فيها لب أهل الأرض ويقول للأعرابي مقرراً الحق : المال مال الله ، ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي . ويرفض الرجل أن يقتص منه الرسول ، وأن يجذبه كما جذبه .
ويبتسم الرسول للأعرابي ، لأنه ما أراد حقيقة القود والقصاص ، إنما أراد أن ينبهه إلى خطأ ما فعل . ولا يكتفي النبي بحلمه إنما يمنحه ما طلب !!
فيأمر أحد الصحابة : أحمل له على بعيريه هذين : على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً !! وعن أبي هريرة قال : كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له ، فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : إن لصاحب الحق مقراً ، فقال فاشتروا له فأعطوه .
فقال من خيركم أو خيركم ـ أحسنكم قضاء وهذا الرجل وإن كان له حق يطلبه إلا أنه تشدد في المطالبة ، وأغلظ في الكلام ، فيواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بحلمه الذي يدفعه درساً في الحلم ، ويضع هذه القاعدة العظيمة : ( إن لصاحب الحق مقالاً ) فليعذر الحلماء أصحاب الحقوق .(1)
وقد أراد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أصحابه هذا الدرس في الأناة وضبط النفس ، فروى أن إعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال له : ((أحسنت إليك ))
قال الإعرابي : لا ولا أجملت !فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا .. ثم قام ودخل منزله ، فأرسل إليه ، وزاده شيئاً ثم قال له : (( أحسنت إليك؟)) .
قال : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنك قلت ما قلت آنفاً ، وفي نفس أصحابي من ذلك شيء ، فإن أحببت فقل أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب ما في صدورهم عليك )).
قال نعم .
فلما كان الغد جاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (2) : (( إن هذا الأعرابي قال ما قال ، فزدناه . فزعم أنه رضى ، أكذلك ؟ )) .
قال : نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه ، فأتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفوراً ، فناداهم صاحبها ، فقال لهم : خلوة بيني وبين ناقتي ، فإني أرفق بها منكم وأعلم .. فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض ، فزدها حتى جاءت واسنتاخت . وشد عليها رحلها ، واستوى عليها . وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال ، فقتلتموه ، دخل النار)) .
إن الرسول الحليم لم تأخذه الدهشة لكنود الأعرابي أول الأمر ، وعرف فيه طبيعة صنف من الناس مرد على الجفوة في التعبير والإسراع بالشر ، وأمثال هؤلاء لو عوجلوا بالعقوبة لقضت عليهم ، ولما كانت ظلماً .
لكن المصلحين العظماء لا ينتهون بمصاير العامة إلى هذا الختام الأليم ، إنهم يفيضون من اناتهم على ذوي النزق ، حتى يلجئوهم إلى الخير إلجاء ، ويطلقوا ألسنتهم تلهج بالثناء . (1)
وثمن ذلك لا يضن به الواجد الأريب ، ولو كان عطاء سخياً ، فما بذل المال إلى جانب ملك الأنفس ؟!
إن الإعرابي الذي اشترى رضاه بما علمت لا يبعد أن تراه أيام وقد كلف بعمل خطير ، يقدم فيه عنقه عن طيب خاطر !! وما المال في أيدي المصلحين الكبراء إلا حاجة العفاة من الوافدين الطامعين ، أو هو قمام الارض تستناخ به الرواحل الجامحة ، لتقطع عليها المفازات الشاسعة.
• وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغضب احياناً غير أنه ما يجاوز حدود التكرم والإغضام .
• ولما قال له الإعرابي جلف ، وهو يقسم الغنائم : أعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، لم يزد في جوابه أن بين له ما جهله ، ووعظ نفسه وذكرها بما قال له فقال : (( ويحك فمن يعدل إن لم أعدل ؟! خبت وخسرت إن زلم أعدل )).(1)
ونهى أصحابه أن يقتلوه حين هم بعضهم بذلك .
وحدث أن رجلاً نازعته الريح رداءه فلعنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تلعنها فإنها مأمورة مسخرة ، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه )) .
وسيئات الغضب كثيرة ، ونتائجه الوخيمة أكثر ، ولذلك كان ضبط النفس عند سوراته دليل قدرة محمودة ، وتماسك كريم .
وقد كان العرب الأولون يفخرون بأنهم يلقون الجهل بجهل اشد .
إلا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلين
فجاء الإسلام يكفكف من هذا النزوان ، ويقيم أركان المجتمع على الفضل ، فإن تعذر فالعدل . ولن تتحقق هذه الغاية إلا إذا هيمن العقل الراشد على غريزة الغضب.
وكثير من النصائح التي أسداها الرسول صلى الله عليه وسلم للعرب كانت تتجه إلى هذا الهدف . حتى التي ربط بها الجماعة فلا تميد ولا تضطرب :
(( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ))(1) .
الثلاثاء مارس 08, 2011 12:41 am من طرف حسبو عبد الله
» أخبار رياضية ساخنة
الثلاثاء مارس 08, 2011 12:25 am من طرف حسبو عبد الله
» الاقتراحات و المساعدة
الخميس يوليو 09, 2009 8:32 pm من طرف حسبو عبد الله
» معلمه سالوها لماذا لم تتزوجي .. ؟
الثلاثاء يونيو 23, 2009 2:47 am من طرف بابكر كلمون
» الرسول صلى الله عليه وسلم القائد
الثلاثاء يونيو 23, 2009 2:42 am من طرف بابكر كلمون
» رجـــال من ذهــب
الأحد يونيو 14, 2009 3:56 pm من طرف عدوله 2009
» تخيل وجدت هذه الرساله في بريدك الأكتروني بماذا سترد عليها؟؟؟؟؟؟
الأحد يونيو 14, 2009 3:22 pm من طرف ام احمد
» قصة عن عقوق الوالدين
الأحد يونيو 14, 2009 3:02 pm من طرف ام احمد
» فطنة اعرابي
الأحد يونيو 14, 2009 2:41 pm من طرف ام احمد